لغةً:
كل ما لطف مأخذه ودق، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن من البيان لسحرًا) وسحره: أي خدعه، ومنه قوله تعالى: “قالوا إنما أنت من المسحرين” أي المخدوعين.
يطلق السحر على أخص من ذلك قال الأزهري: [السحر عمل تقرب به إلى الشيطان وبمعونة منه، كل ذلك الأمر كينونة للسحر. قال: وأصل السحر صرف الشيء عن حقيقته إلى غيره، فكأن الساحر لما أرى الباطل في صورة الحق، وخيل الشيء على غير حقيقته، قد سحر الشيء عن وجهه، أي صرفه]. ا هـ .
وروى شمر: [أن العرب إنما سمت السحر سحرا لأنه يزيل الصحة إلى المرض , والبغض إلى الحب. وقد يسمى السحر طبً، والمطبوب المسحور].
قال أبو عبيدة: [إنما قالوا ذلك تفاؤلاً بالسلامة]، وقيل: [ إنما سمي السحر طبا؛ لأن الطب بمعنى الحذق، فلوحظ حذق الساحر فسمي عمله طبًّا]. وورد في القرآن العظيم لفظ الجبت، فسره عمر وابن عباس وأبو العالية والشعبي بالسحر، وقيل: [الجبت أعم من السحر، فيصدق أيضا على الكهانة والعرافة والتنجيم].
معنى السحر في الاصطلاح:
اختلف الفقهاء وغيرهم من العلماء في تعريفه اختلافًا واسعًا، ولعلَّ مردّ الاختلاف إلى خفاء طبيعة السحر وآثاره. فاختلفت تعريفاتهم له تبعًا لاختلاف تصوّرهم لحقيقته.
فمن ذلك ما قال البيضاوي: [المراد بالسحر ما يستعان في تحصيله بالتقرب إلى الشيطان مما لا يستقل به الإنسان، وذلك لا يحصل إلا لمن يناسبه في الشرارة وخبث النفس. قال: وأما ما يتعجب منه كما يفعله أصحاب الحيل والآلات والأدوية، أو يريه صاحب خفة اليد فغير مذموم، وتسميته سحرا هو على سبيل التجوز لما فيه من الدقة؛ لأن السحر في الأصل لما خفي سببه]. اهـ.
ونقل التهانوي عن الفتاوى الحامدية: [السحر نوع يستفاد من العلم بخواص الجواهر وبأمور حسابية في مطالع النجوم، فيتخذ من ذلك هيكلا على صورة الشخص المسحور، ويترصد له وقت مخصوص في المطالع، وتقرن به كلمات يتلفظ بها من الكفر والفحش المخالف للشرع، ويتوصل بها إلى الاستعانة بالشياطين، ويحصل من مجموع ذلك أحوال غريبة في الشخص المسحور].
وقال القليوبي: [السحر شرعا مزاولة النفوس الخبيثة لأقوال أو أفعال ينشأ عنها أمور خارقة للعادة].
وعرفه الحنابلة بأنه: [عقد ورقى وكلام يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئًا يؤثِّر في بدن المسحور أو قلبه أو عقله من غير مباشرة له]. [الموسوعة الفقهية].
حقيقة السحر والأدلة عليها:
اختلف العلماء في أن السحر هل له حقيقة ووجود وتأثير حقيقي في قلب الأعيان، أم هو مجرد تخييل.
فذهب المعتزلة وأبو بكر الرازي الحنفي المعروف بالجصاص، وأبو جعفر الإستراباذي والبغوي من الشافعية، إلى إنكار جميع أنواع السحر وأنه في الحقيقة تخييل من الساحر على من يراه، وإيهام له بما هو خلاف الواقع، وأنَّ السحر لا يضر إلا أن يستعمل الساحر سمًّا أو دخانًا يصل إلى بدن المسحور فيؤذيه، ونقل مثل هذا عن الحنفية، وأن الساحر لا يستطيع بسحره قلب حقائق الأشياء، فلا يمكنه قلب العصا حية، ولا قلب الإنسان حمارًا.
قال الجصاص: [السحر متى أطلق فهو اسم لكل أمر مموه باطل لا حقيقة له ولا ثبات].
قال الله تعالى: “فلما ألقوا سحروا أعين الناس” يعني موهوا عليهم حتى ظنوا أن حبالهم وعصيهم تسعى.
وقال تعالى: “فإذا حبالهم وعصيهم يخيل إليه من سحرهم أنها تسعى” فأخبر أن ما ظنوه سعيا منها لم يكن سعيا وإنما كان تخييلاً. وقد قيل: إنها كانت عصيًّا مجوَّفة مملوءة زئبقًا، وكذلك الحبال كانت معمولة من أدم محشوة زئبقا، فأخبر الله أن ذلك كان مموهًا على غير حقيقته. وذهب جمهور أهل السنة إلى أن السحر قسمان:
حيل ومخرقة وتهويل وشعوذة، وإيهام
ليس له حقائق، أو له حقائق لكن لطف مأخذها، ولو كشف أمرها لعلم أنها أفعال معتادة يمكن لمن عرف وجهها أن يفعل مثلها، ومن جملتها ما ينبني على معرفة خواص المواد والحيل الهندسية ونحوها، ولا يمنعه ذلك عن أن يكون داخلاً في مسمى السحر، كما قال تعالى: “سحروا أعين الناس واسترهبوهم وجاءوا بسحر عظيم” وهذا ما لم يكن خفاء وجهه ضعيفا فلا يسمى سحرًا اصطلاحًا، وقد يسمى سحرًا لغة، كما قالوا (سحرت الصبي) بمعنى خدعته.
حقيقة ووجود وتأثير في الأبدان
فقد ذهبوا إلى إثبات هذا القسم من حيث الجملة. وهو مذهب الحنفية على ما نقله ابن الهمام، والشافعية والحنابلة. واستدل القائلون بتأثير السحر وإحداثه المرض والضرر ونحو ذلك بأدلة.
الأدلة من القرآن:
- قال تعالى: “وَاتَّبَعُواْ مَا تَتْلُواْ الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَـكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُواْ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ وَمَا أُنزِلَ عَلَى الْمَلَكَيْنِ بِبَابِلَ هَارُوتَ وَمَارُوتَ وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولاَ إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلاَ تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلاَ يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُواْ لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْاْ بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ” [البقرة : 102]
- قال تعالى: “قَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ” [الأعراف : 132]
- قال تعالى: “فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ” [يونس : 81]
- سورة الفلق قال تعالى: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)” و “النَّفّاثَاتُ فِي الْعُقَدِ” : هنَّ السَّواحِر من النساء. فلما أُمِرَ بالاستعاذة من شرِّهنَّ عُلمَ أنَّ لهنَّ تأثيرًا وضررًا.
الأدلة من السنة:
- عن عائشة رضي الله عنها قالت: سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى إنه ليخيل إليه أنه فعل الشيء، وما فعله. حتى إذا كان ذات يوم ، وهو عندي دعا الله ، ودعا، ثم قال: (أشعرت يا عائشة أن الله قد أفتاني فيما استفتيت؟ قلت: وما ذلك يا رسول الله؟ قال: جاءني رجلان، فجلس أحدثما عند رأسي، والآخر عند رجلي، ثم قال أحدهما لصاحبه: ما وجع الرجل؟ قال: مطبوب. قال: ومن طبه؟ قال: لبيد بن الأعصم اليهودي من بني زريق. قال: فبماذا؟ قال: في مشط ومشاطه، وجف طلعة ذكر. قال: فأين هو؟ قال: في بئر ذروان. فذهب النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه إلى البئر، فنظر إليها وعليها نخل، ثم رجع إلى عائشة فقال: والله لكأن ماءها نقاعة الحناء، ولكأن نخلها رؤوس الشياطين، قلت: يا رسول الله أفأخرجته؟ قال: لا، أما فقد عافاني الله وشفاني، وخشيت أن أثور على الناس منه شرًا، فأمر بها فدفنت). متفق عليه، وفي رواية لمسلم: قالت: فقلت: (يا رسول الله أفلا أخرجته؟ قال: لا).
- قال تعالى: “قَالُواْ مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِن آيَةٍ لِّتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ” [الأعراف : 132]
- قال تعالى: “فَلَمَّا أَلْقَواْ قَالَ مُوسَى مَا جِئْتُم بِهِ السِّحْرُ إِنَّ اللّهَ سَيُبْطِلُهُ إِنَّ اللّهَ لاَ يُصْلِحُ عَمَلَ الْمُفْسِدِينَ” [يونس : 81]
- سورة الفلق قال تعالى: “قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (1) مِن شَرِّ مَا خَلَقَ (2) وَمِن شَرِّ غَاسِقٍ إِذَا وَقَبَ (3) وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (4) وَمِن شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (5)” و “النَّفّاثَاتُ فِي الْعُقَدِ” : هنَّ السَّواحِر من النساء. فلما أُمِرَ بالاستعاذة من شرِّهنَّ عُلمَ أنَّ لهنَّ تأثيرًا وضررًا.